كيف أجيب على مَن يقول: إن الإسلام انتشر بقوة السيف، وإن شروط الجهاد إما الإسلام، أو الجزية، أو السيف؟ فهذا يجعلهم يعتقدون أننا إرهابيون كما يقولون.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإن دعوى المستشرقين وغيرهم: بأن الإسلام استخدم السيفَ وسيلةً لإرغام الناس على الدخول فيه - دعوى باطلةٌ، يَرُدُّها كتابُ الله، وسنة رسوله، والواقعُ العملي على مرِّ الزمان.
وسوف نبيِّن ذلك في النقاط التالية: أولاً: أثبت القرآن الكريم: أن الدخول في دين الإسلام، لا يصح إلا طواعيةً دون إكراه؛ قال الله - تعالى -: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256].
يقول ابن كثير في "تفسيره": "أي: لا تُكرِهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام؛ فإنه بيِّن واضح، جلِيٌّ في دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يُكرَه أحدٌ على الدخول فيه؛ بل مَن هداه الله للإسلام، وشرح صدره، ونوَّر بصيرته - دخل فيه على بيِّنة، ومَن أعمى الله قلبَه، وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخولُ في الدين مكرهًا مقسورًا "؛ "تفسير ابن كثير: ج1".
وروى النسائي في "السنن الكبرى"، عن أبي ظبيان قال: سمعت أسامة بن زيد يقول:
"بعثَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في جيش إلى الحُرَقات - حي من جهينة - فلمَّا - يعني: هزمناهم - ابتدرتُ أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فقال: لا إله إلا الله، فكفَّ عنه الأنصاريُّ، وظننت أنه إنما قالها تعوُّذًا، فقتلتُه، فرجع الأنصاري إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدَّثه الحديث، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أسامة، قتلتَ رجلاً بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ كيف تصنع بـ"لا إله إلا الله" يوم القيامة؟!))، فما زال يقول ذلك، حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ".
ومعنى "قالها تعوذًا": أي إنما أقرَّ بالشهادة، لاجئًا إليها، ومعتصمًا بها؛ ليدفع عن نفسه القتلَ، وليس بمخلِصٍ في إسلامه. فَفِعْلُ أسامةَ - رضي الله عنه - يدل دلالة واضحة على: أن المركوز في نفوس الصحابة - رضي الله عنهم - هو أن إسلام الخائف المكرَه غيرُ مقبول، وأن الإسلام إنما يُقبَل من الراغب المقبِل، الآمن على نفسه وماله وأهله.
ثانيًا: الأصل في الدعوة إلى الإسلام أن تكون بالتي هي أحسن، وقد ورد الأمر الإلهي بذلك؛ إذ قال - تعالى -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].
قال ابن كثير في "تفسيره": "يقول - تعالى - آمرًا رسولَه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يدعوَ الخلقَ إلى الله بِالحِكْمَةِ". اهـ. وقال القرطبي في "تفسيره": "هذه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة قريش، وأمره أن يدعو إلى دين الله وشرْعه بتلطُّف ولِين، دون مخاشنة وتعنيف.
وهكذا ينبغى أن يُوعَظ المسلمون إلى يوم القيامة؛ فهي مُحكَمة في جهة العصاة من الموحِّدين، ومنسوخة بالقتال في حق الكافرين، وقد قيل: إن مَن أمكنت معه هذه الأحوال مِن الكفار، ورجي إيمانُه بها دون قتال - فهي فيه محكمة،، والله أعلم". اهـ.
وقد اتفق الفقهاء على أنه: إذا دخل المسلمون دارَ الحرب، فحاصروا مدينة أو حصنًا، دعَوُا الكفارَ إلى الإسلام؛ لقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ما قاتَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قومًا، حتى دعاهم إلى الإسلام".
فإن أجابوا كفُّوا عن قتالهم؛ لحصول المقصود، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أُمرتُ أن أقاتِل الناسَ، حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالَهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله))؛ رواه البخاري ومسلم.
وإن امتنعوا دَعَوْهم إلى الجزية، وهذا في حق مَن تُقبَل منه الجزيةُ، وأما مَن لا تقبل منه - كالمرتدين وعبدة الأوثان من العرب - فلا فائدة في دعوتهم إلى قبول الجزية.
فقد روى مسلم في "صحيحه"، عن بريدة - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومَن معه مِن المسلمين خيرًا، ثم قال: ((اغزوا بسم الله، قاتلوا مَن كفر بالله، اغزوا، فلا تغلُّوا، ولا تغدروا، ولا تُمَثِّلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقِيتَ عدوَّك من المشركين، فادعُهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - فأيَّتهنَّ ما أجابوك، فاقبَل منهم وكفَّ عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم وكُفَّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول مِن دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلُوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبَوْا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين؛ يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيءٌ، إلاَّ أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبَوْا، فعليهم الجزية، فإن هم أجابوك، فاقبل منهم وكُفَّ عنهم، فإن هم أبوا، فاستعن بالله وقاتِلْهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيِّه، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك؛ فإنكم أن تَخفِروا ذممَكم وذمم أصحابكم، أهونُ من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإن حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله؛ ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا))؛ رواه مسلم.
ففي هذا الحديث بيان واضح من النبي - صلى الله عليه وسلم - لكيفية التعامل مع الكفار حالَ جهادِهم، وكيفية التدرج في التعامل معهم، وحتى تحصل المنافع من وراء ذلك، وتُدرأ المفاسد. ثالثًا: أن الجهاد في الإسلام لم يوكَّل إلى الأفراد، وإنما لا بد فيه من إذنِ إمام المسلمين، فيلزم الرعيةَ طاعةُ ولي الأمر فيما يراه مِن ذلك؛ لقول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني))؛ متفق عليه. وفي حديث حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((تسمع وتطيع للأمير، وإن ضُرب ظهرُك، وأُخذ مالُك، فاسمع وأطعْ))؛ رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "فطاعة الله ورسوله واجبةٌ على كل أحد، وطاعة ولاة الأمر واجبة؛ لأمرِ الله بطاعتهم، فمَن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر، فأجرُه على الله، ومَن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال، فإن أعطَوْه أطاعهم، وإن منعُوه عصاهم - فما له في الآخرة مِن خلاقٍ"؛ "فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: (35/ 16، 17)".
ومِن طاعة ولي الأمر عدمُ الجهاد إلا بإذنه؛ لحديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الجهاد، فقال: ((أحيٌّ والداك؟))، قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهِدْ))؛ متفق عليه. ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما الإمام جُنَّة، يُقاتَل مِن ورائه، ويُتَّقى به، فإن أَمَر بتقوى الله - عز وجل - وعدَل، كان له بذلك أجر، وإن يأمُرْ بغيره كان عليه مِنْهُ))؛ رواه مسلم. قال ابن قدامة - رحمه الله -: "وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويَلْزم الرعيةَ طاعتُه فيما يراه من ذلك"؛ "المغني" (13/ 16).
وقال الإمام الخرقي: "وإذا غزا الأميرُ بالناس، لم يَجُز لأحد أن يتعلف، ولا يحتطب، ولا يبارز عِلْجًا، ولا يخرج من العسكر، ولا يُحدِث حدثًا؛ إلا بإذنه". اهـ. قال ابن قدامة شارحًا لهذا في "المغني": (13/ 38)" لقول الله - تعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62]، ولأن الأمير أعرف بحال الناس وحال العدو، ومكامنهم، ومواضعهم، وقُرْبِهم، وبُعدِهم، فإذا خرج خارج بغير إذنه، لم يأمن أن يصادف كمينًا للعدو، فيأخذه...". اهـ.
رابعًا: من القواعد المقررة في شرع الله - تعالى - أنه لا عقوبة، إلا بسبب يُوجبها، وأن العقوبة تتناسب دائمًا مع المخالفة الموجِبة لها، ومن رحمة رب العالمين أنه جعل العقابَ على المخالفة في حقوق الخلق بالمِثل، دون تعدٍّ أو تجاوز يؤدي إلى البغي أو العدوان؛ فقال - تعالى -: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 126- 128]. قال ابن كثير: "يأمر - تعالى - بالعدل في الاقتصاص، والمماثلة في استيفاء الحق". اهـ.
وأما حقه - تعالى - فمبني على العفو والمسامحة، وإن حصل العقاب فمخفَّف، غير مكافئ للجناية؛ قال - تعالى -: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
وهذا يدلك دلالة واضحة على مدى المسامحة والعفو اللذين يدعو إليهما الإسلامُ، وهو مما لا يتنافى مع فرضية الجهاد على الأمة، وإقامة حدود الله فيها؛ لأن إقامة ذلك ضروريٌّ لاستقامة الناس على أمر الله - تعالى - وإن صاحَبَه نوعٌ من الألم، الذي إذا قورن بالكفر والعصيان، لترجَّح في النظر عند ذوي العقول السليمة، أن يُفتدَى الضرر الأعلى بالضرر الأدنى؛ قال - تعالى -: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251]. خامسًا: أن الإسلام يدعو إلى مسالمة الآخرين، وهذا هو الأصل.
ولو تأمَّلْنا قول الله - تعالى -: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61]، وقوله - تعالى -: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما -: ((ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين))؛ رواه البخاري وغيره.
لو تأملنا فى ذلك لَعلِمنا أن الصلح أمر جائز، قرَّرتْه الشريعة، ومارسه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمليًّا مع اليهود تارة، ومع مشركي مكة في الحديبية تارة أخرى، وهذا المنهج لا يتنافى مع قوله - تعالى -: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد: 35]؛ فإن الفقهاء كافة قد قرَّروا جواز المصالحة؛ بل قد أوجبوها فى حالات معينة.
وفى ذلك يقول الرملي في "نهاية المحتاج": "كتاب الهدنة: من الهدون، وهو السكون؛ لسكون الفتنة بها، إذ هي – لغةً -: المصالحة، وشرعًا: مصالحة أهل الحرب على ترك القتال المدةَ الآتية، بعِوض أو غيره، وتسمَّى موادعة، ومسالمة، ومعاهدة، ومهادنة، والأصلُ فيها قبل الإجماع أولُ سورة براءة، ومهادنته - صلى الله عليه وسلم - قريشًا عام الحديبية، وكانت سببًا لفتح مكة؛ لأن أهلها لما خالطوا المسلمين، وسمعوا القرآن - أسلم منهم خلقٌ كثير، أكثر ممن أسلم قبلُ، وهي جائزة لا واجبة أصالة، وإلا فالأوجه وجوبُها، إذا ترتَّب على تركها لحوقُ ضرر لنا لا يمكن تداركُه". اهـ.
ويقول الميرغيناني في "الهداية": "فإذا رأى الإمام أن يصالح أهل الحرب، أو فريقاً منهم، وكان في ذلك مصلحةٌ للمسلمين - فلا بأس به؛ لقوله - تعالى -: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61]، ووادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهلَ مكة عام الحديبية: على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين، ولأن الموادعة جهادٌ معنًى إذا كان فيه خيرٌ للمسلمين؛ لأن المقصود هو دفع شر حاصل به، ولا يقتصر الحكم على المدة المروية؛ لتعدي المعنى إلى ما زاد عليها". اهـ.
وليس هذا خاصًّا بطلب الكافرين المحاربين للصلح فحسب؛ بل يجوز للمسلمين طلبُه للمصلحة، يقول ابن قيم الجوزية عند استعراضه للفوائد الفقهية المأخوذة من صلح الحديبية، فيقول: "ومنها جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو، إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه، ولا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم". اهـ. وهذا أمر واضح، مأخوذ مِن فعله - صلى الله عليه وسلم - عندما عرض ابتداءً على غطفان إعطاءهم ثُلثَ ثمار المدينة؛ كي ينصرفوا عن قتاله، ومحاصرتهم المدينة مع الأحزاب فى غزوة الخندق.
سادسًا: أن الإسلام قد نعى على المقلِّدين، الذين ساروا على طريق الآباء والأجداد، دون أن يتفكروا فيما كانوا عليه من باطل وضلال، مع ترك النظر فيما جاءت به الرسل، وأنزلت به الكتب؛ حيث قال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170].
فإذا كان هذا هو موقفَ الإسلام من حرية الدخول في الدين ابتداء، بناء على الفكر الواعي، والعقل المجرد المدرك للحقائق، دون قهر بالسيف، أو إكراه بالقوة - فهو يطالب باستعمال العقل، فكيف يرضى بقوة السيف والإكراه على الدين؟!
سابعًا: أن الإسلام قد اختار السيف أحيانًا، لا ليُكرَه أحدًا على الإسلام، ولكن ليكفل عدة أهداف، كلها تقتضي الجهاد، فهو حَمَل السيف؛ ليقيم نظامًا آمنًا، يأمن في ظله أصحاب العقائد جميعًا، ويعيشون في إطاره خاضعين له، وإن لم يعتنقوا عقيدته.
فكان لابد من السيف لإزالة الحواجز والعقبات التي تقف في وجه الدعوة الإسلامية، أيًّا كانت هذه العقبات، اقتصادية، أو سياسية، أو بشرية. هذه تَطوافة عَجلى حول أهم المحاور التي يرتكز ردُّ هذه الشبهة عليها، اكتفينا بها، ولعل فيها مقنعًا، وراجع في موقعنا للمزيد مقالة: "دراسة لمفكر قبطي... الإسلام لم ينتشر بحد السيف!"، و"رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرحمة المهداة".
الكاتب: الشيخ علي ونيس
المصدر: موقع الألوكة